[vc_row][vc_column][vc_column_text]
المدائِحُ النبويةُ في الأدب الإسلامي
لقد أثنى المولى عز وجل في كتابه العزيز على خير خَلْقه وحبيبه ومصطفاه سيدنا محمد ﷺ فقال: “وإنك لعلى خلق عظيم” (القلم، الآية 4)، وفي قوله “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً” (الأحزاب، الآية 21). وذلك تأكيد على أن من يؤمن بالله ويريد الفوز برضاه سبحانه وتعالى فليس أمامه إلاّ اتباع سنة الرسول قولاً وفعلاً والتحلي بخُلُقِهِ والسيرِ على نَهْجِه. كما أن حديث النبي محمد ﷺ الذي يقول “إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” وقول السيدة عائشة (رضي الله عنها) عندما سُئلت عن خلقه فقالت “كان خلُقه القرآن” إنما يدلنا على أن طرز حياة النبي وأخلاقَه ذات المصدر القرآني هما القدوة الأحسن للمؤمنين وللبشرية كافة، وهو الهادي وطوق النجاة أمامهم. ويقول المولى عز وجل في كتابه الكريم “وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين” (الأنبياء، الآية 107)، ويقول سيدنا محمد ﷺ إنما أنا رحمة مهداة”، وهو ما يشير إلى أن الأوامر والنواهي التي يُبَلِّغها عن رب العزة هي رحمة من الله إلى الناس كافة. وطريق الوصول إلى الحق جل وعَلاَ هو التضحية بالنفس أمام نور المصطفى والسير على هَدْيه؛ فهو باب الدخول إلى الخزانة الإلهية. ويقول المولى عز وجل “قل إنْ كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحْببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم” (آل عمران، الآية 31). ومن هنا يجب أن يكون حبنا لله ورسوله أسمى من كل الحب. وحديث النبي ﷺ ” والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحَبُّ إليه من والده وولده والناس أجمعين” (البخاري، الإيمان 8، رقم 14) إنما يدلنا على أن محبة رسول الله من أسس الدين، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد فتح قلبه للرسول “إنك أحب إليّ من نفسي يا رسول الله” (مسلم، الإيمان 192، رقم 121).
ومثل هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هي التي حَوّلَتْ حب النبي في قلوب المسلمين إلى عشق عميق. وكانت السبب في البداية وراء ظهور الشعراء الصحابة الذين تغنوا بمدائحه في أشعارهم، وظهور كتب الشمائل النبوية وروايات الحلية الشريفة ولوحاتها البديعة التي أبدعها الخطاطون الأتراك فيما بعد.
وكانت تجليات حب الصحابة والمسلمين للنبي ﷺ قد بدأت خلال الغزوات التي كان يقوم بها ضد الكفّار والمشركين، إذ كانوا يدافعون عنه ويحرسونه بأرواحهم ضد السهام المرسلة إليه من نِبَال الكفار. كما ظهر ذلك الحب قبل ذلك عندما اعْتَزَم الهجرة من مكة إلى المدينة وبصحبته أبو بكر الصديق وغيره من الصحابة(رضوان الله عليهم أجمعين)، وكيف التقى أم مَعْبِد الخُزاعية، وروايتها المشهورة في وَصْفِهِ، ثم عندما وصل إلى موضع ثَنِيَّاتِ الوداع على مشارف يثرب (أي المدينة) وكانت نسوة الأنصار ينتظرنه هناك وهن ينشدن:
[su_quote]
طلع البدر علينا | من ثَنِيَّاتِ الوداع |
وجب الشكر علينا | ما دعا لله داع |
أيها المبعوث فينا | جئت بالأمر المطاع |
جئت شرّفت المدينة | مرحباً يا خير داع |
[/su_quote]
وفي داخل يثرب كانت جموع الأنصار في الانتظار وراحوا يتسابقون على استضافته ويتقاسمون أموالهم مع المهاجرين كما رَوَت لنا كتب السيرة في مشهد غير مسبوق. وبدأ يظهر عندئذٍ عدد من الشعراء الذين عُرفوا باسم “شعراء الرسول”، ويأتي في مقدمتهم حَسَّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رَوَاحة وكعب بن زهير وغيرهم.
وقد بدأت المدائح النبوية تدخل الأدب الإسلامي بعد ذلك فَعُرِفَتْ عند الأتراك والإيرانيين تحت اسم (نعتِ شريف) و (نعتِ شريفِ نبوي). واعتباراً من القرن الرابع الهجري بلغت تلك المدائح النبوية ذروة نضجها من حيث المحتوى والترتيب، وفي الأدب الفارسي الكلاسيكي ظهر عدد من الشعراء اللامعين في ذلك المجال من أمثال: حكيم سنائي ونظامي الكنجوي الشاعر التركي الأصل وفريد الدين العطار وسعدي الشيرازي وأمير خسرو الدهلوي والمنلا عبد الرحمن جامي. وكان أول نعت نبوي قد ظهر في الأدب التركي عقب دخول الأتراك في الإسلام بفترة قصيرة، وذلك في كتاب (قوتادغو بيليك) الذي أتمه في مدينة قَشْغَر من يُدعى (يوسف خاص حاجب) عام 1069م. ثم أخذت تتوالى النعوت بعد ذلك، إذ نظمها الأديب أحمد يوكنكي في “عتبة الحقايق” وأحمد يسوي في “ديوان الحكمة”، ونظمها في تلك الأثناء أيضاً الشاعر علي شيرنوائي الذي بلغ الذروة في الأدب الجغتائي حتى عرف بشاعر النعوت النبوية.
وينشد حَسَّان بن ثابت (563 – 674م) في حبه للنبي مادحاً فيقول:
[su_quote]
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّءاً من كل عيبٍ
كأنك قد خُلِقْتَ كما تشاءُ
[/su_quote]
ويتغنى البوصيري (ت 695هـ) بجمال خلْقِ رسول الله في بيتٍ من بُرْدتهِ فيقول:
[su_quote]
أَكْرِمْ بخَلْقِ نبيٍ زانه خُلُقٌ
بالحُسْن مشتمل بالبشر مُتَّسِمِ
[/su_quote]
ويعبر الشاعر التركي فضولي البغدادي (ت 963هـ/1556م) عن حبه واشتياقه للنبي محمد في أحد الأبيات فيقول:
[su_quote]
يا حبيب الله يا خير البشر مشتاق إليك
فالشفاه الظمآى تَتَحَرَّقُ وتطلب الماء دوماً
[/su_quote]
ويقول الشاعر يوسف نابي (ت 1712م) في مطلع مدحية طويلة كتبها وهو في طريقه إلى الحج:
[su_quote]
حذاريك من تركِ الأدب | فها هنا ديار حبيب الرحمن |
[/su_quote]
أما الشاعر المتصوف يونس أمره فيعبر عن حبه المفعم بالإخلاص والصدق فيقول:
[su_quote]
آه لو بحثتُ وبحثتُ ووجدتُ أَثَرَكَ
ومَرّغْتُ وجهي في تُراب الأثرِ
وليت الحق تعالى يكتبُ لي أن أراك
يا محمد إن روحي تتوق إليك
آه لو تيسر لنا سفر مبارك وسافرنا
وغرقنا في الرمال على طريق الكعبة
وتجلى جمالك الباهر مرةً وشاهدناه
يا محمد إن روحي تتوق إليك.
[/su_quote]
وهكذا لا يزال ذلك السيل الهادر من المدائح في حب النبي محمد ﷺ يجري إلى اليوم بأقلام الشعراء والأدباء المسلمين في شتى بقاع الأرض وبشتى الألسنة واللغات، ووقع ذلك منهم تقرباً إلى الله وطمعاً في نيل المثوبة منه سبحانه وتعالى، ورغبةً في شفاعة نبيه وحبيبه محمد المصطفى ﷺ.
ويُسْعِدُ مركزَ إرسيكا (مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي باستانبول) أن يقوم في هذا السياق بجمع مختارات من روائع المدائح النبوية التي أبدعتها أقلام الشعراء من شتى بقاع العالم الإسلامي وبلغاتهم المختلفة، وأن نضعها ضمن موقع الكتروني يتصفحه كل من يريد في شهر رمضان المبارك (1441هـ/2020م)، لعل ذلك يكون وسيلة لأن يَدْفَعَ اللهُ عنا هذا الوباء وتلك الجائحة التي تجتاح الكرة الأرضية.
وصل اللهم وسلِّم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]