هذا الكتاب سجل شامل لأعمال الترميم التي قام بتنسيقها إرسيكا على خمسة جوامع ضخمة في البوسنة والهرسك وهي جامع نذير آغا في موستار، وجامع سَوْرِي حاجي حسن في موستار، وجامع قرا كوزبك في موستار، وجامع حاجي علي في بوجته لي، وجامع آلاجا في فوتشا. فأما الجوامع الأربعة الأولى فقد تم ترميم كل واحد منها بعد نهاية الحرب كمشروعٍ منفرد. وأما الجامع الخامس فيجري ترميمه. ولم يكن نجاح مشروع إعادة بناء جامع نذير آغا في عام 1999م –وهو المشروع الأول- مثالاً يُقتدى به بالنسبة للمشاريع الأربعة الأخرى فحسب، بل أيضا بالنسبة للعديد من المشاريع الأخرى المشابهة. وقد تم تمويل جميع المشاريع الخمسة من خلال هباتٍ قدّمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، لمشروع جامع نذير آغا؛ والصندوق العالمي للآثار بنيويورك لجامع سوري حاجي حسن في عام 2003م؛ والشيخ أحمد زكي يماني، رئيس مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن، لمشروع جامع قرا كوزبك في عام 2004م؛ وحكومة اتحاد البوسنة والهرسك لجامع حاجي علي في عام 2004م. وقام بتمويل التصميم الفني لترميم جامع آلاجا وقف إيسار باستانبول.
والكتاب نظرًا لما يتوفر عليه من صور فوتوغرافية ملونة وخرائط ورسومات، يمكن أن يشكِّل مصدرًا ثريًّا بالمعلومات لمن له اهتمام بهذه الجوامع وبترميمها من حيث تاريخها وخصائصها وإعادة بنائها وترميم العناصر الخارجية والداخلية لها بما فيها الزخارف والنقوش وغير ذلك. وتعطي المقدمة المفصّلة للكتاب لمحة شاملة عن التراث العمراني الإسلامي في البوسنة والهرسك وتاريخ تشكيله، وخاصة الجوامع وخصائصها المعمارية؛ وتستعرض الدمار والأضرار التي لحقت بالآثار الإسلامية عبر التاريخ وخاصة خلال الحرب (1992-1995م)، مع وصف تقني؛ وسرد موجز لتاريخ كل مدينة من المدن التي توجد بها هذه الجوامع، مع وصف لخلفية وبيئة كل جامع من الجوامع قيد الدراسة.
ولما كان الجامع في السياق الحضري الإسلامي يعد بمثابة المركز الذي يستند إليه كل شيء، كان تدميره مرادفا لخراب ما حوله. ولهذا فإن ترميمه وإعادة بنائه يترتب عنه لا محالة عودة النظام إلى محيطه. ثم إن القيمة التي يكتسبها المبنى بعينها لها مغزى من جهة أنها تعكس وعيَ المجتمع بالهوية الثقافية على الصعيد المحلي، والاهتمامَ المهني بالحفاظ على التراث سواء بصفة عامة أو على المستوى العالمي. والترميم، في جميع جوانبه النظرية والعملية، مرتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة التاريخية والثقافية والاجتماعية المتعلقة بكل موقع ومبنى. والمشاريع المذكورة في الكتاب مهمة وتمثِّل حالات دراسة تعكس هذه الحقائق وحقائق أخرى تتعلق بأي عمل ترميمي لمبنى تاريخي.