يعد هذا الكتاب المجلّد الأول من مشروع مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) والذي يقوم بإعداده الدكتور فاضل بيات (الخبير بالمركز) باللغة العربية لخدمة الباحثين في مجال تاريخ الحقبة العثمانية. وتعتبرُ الوثائق العثمانية الرسمية مصادر أساسية لا تُقدّر بثمنٍ للدراسات المتعلقة بتاريخ البلدان التي كانت ذات يومٍ جزءاً من الدولة العثمانية. ويُحتفظ بهذه الوثائق في دائرة الأرشيف العثماني باستانبول التابع لرئاسة الوزراء التركية، وفي غيره من محفوظات الدولة، بما في ذلك وثائق متحف قصر طوب قابى. وفي هذا المشروع البحثي، تم اختيار وترجمة مجموعة من الوثائق المتعلقة بالبلاد العربية. ويضمّ المجلد الأول مائة وثيقة وأربع وثائق تعود معظمها إلى النصف الأول من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي أي إلى الحقبة الأولى من الحكم العثماني في البلاد العربية. وأختير معظم هذه الوثائق من دفاتر المهمة وهي سجلات الديوان الهمايوني الذي يعد رأس الهرم الإداري والسياسي والعسكري والقضائي والديني للدولة العثمانية. وأورد الدكتور بيات النص الأصلي لكل وثيقةٍ جنباً إلى جنبٍ مع ترجمته العربية حتى يطّلِع القارئ على التزام الترجمة بالأصل وكي يتدرب الباحثون على كيفية التعامل معها. وفضلاً عن ذلك، تناول المؤلّف كل وثيقةٍ وحلّلها واستعرضها بشكلٍ مبسّطٍ، وأضاف لها توضيحاتٍ كلّما اقتضى الأمر وذلك لتسهيل الفهم. وتم تبويب هذا المجلد في عشرة أقسامٍ حسب المكان والموضوع مع مراعاة محتوياتها، وهي: الرسائل المتبادلة بين السلاطين العثمانيين والسلاطين المماليك؛ عهد السلطان سليم الأول؛ قبيل فتح بغداد؛ ومكة المكرّمة والحج؛ اليمن والبحر الأحمر؛ أفريقيا الشمالية؛ والأوقاف والشؤون الدينية؛ العشائر والزعامات البدوية؛ الشكاوى المقدمة إلى الديوان الهمايوني؛ التجار والزوار الأجانب والمصالح الأجنبية؛ الشؤون الإدارية والعسكرية والمالية. كما أضيف إلى هذه المجموعة ملحقان يحظيان بأهمية كبيرة للباحثين وهما: يوميات حملة السلطان سليم الأول على بلاد الشام ومصر، والوقائع اليومية لحملة السلطان سليمان القانوني على العراقين. والمعروف أن التعامل مع الوثائق العثمانية ليس بالأمر الهيّن ولا سيما قراءتها وفهمها وترجمتها، وقد تمكن المؤلف من كل ذلك بما يحظى من خبرة علمية متراكمة وما تحلى به من صبر وحرص على الدقة. ويحدونا الأمل أن هذا الكتاب الحافل بمعلوماته الفريدة سيشغل حيّزا مهما في المكتبات ويسهم في الكشف عن الجوانب المجهولة من تاريخ البلاد العربية في العهد العثماني.
