لايخفى على المعنيين بتاريخ البلاد العربية في العهد العثماني أنّ جوانب كثيرة من هذا التاريخ مازالت غير معروفة، وأنّ ما كُتب عنه بحاجة إلى النظر في جوانبه المختلفة، لأنّ معظم الدراسات التي أُجريت حول هذا التاريخ غابت عنها الوثائق والمصادر العثمانية. وفيما يتعلق بالوثائق العثمانية، فإنها تضم معلومات في غاية الأهمّيّة وتسلّط الأضواء على مناحي الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… الخ للدولة العثمانية وبضمنها الولايات العربية. من هنا جاء اهتمام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) بهذه الوثائق، فعمل على تيسير استفادة الباحثين منها وذلك بنشر مايمكن نشره من هذه الوثائق بعد ترجمتها إلى اللغة العربية. وقد أنجز في هذا الصدد، العديد من المشاريع البحثية.
ويأتي كتاب “الكويت في الوثائق العثمانية/ مختارات من وثائق الأرشيف العثماني في استانبول 1850ــ1900م” ضمن هذه المشاريع، وهو أول عمل من نوعه يُنشر فيه كمٌّ هائلٌ من وثائق الأرشيف العثماني عن الكويت. والمعروف أنّ الأرشيف العثماني في استانبول يضُمُّ مجموعة كبيرة من الوثائق المتعلقة بالكويت، ولا يمكن حصرها في مجلد واحد. ولهذا اقتصر العمل في الكتاب على اختيار وثائق تعود إلى فترة زمنية محدّدة، وليس طيلة الوجود العثماني في المنطقة، وهي النصف الأخير من القرن التاسع عشر ميلادي، إلا أنّ الوثائق الواردة في الكتاب لا تمثّل كلّ الوثائق العائدة إلى هذه الحقبة الزمنية، بل هي مختارات منها رآها المُعِدُّ الدكتور فاضل بيات أكثر أهميّة للباحثين الذين يتناولون تاريخ الكويت في هذه الفترة. واِتَّبَعَ مُعِدُّ الكتاب منهجا معيّنا في عرض الوثائق، إذ قام بتقديم ملخص مختصر للوثيقة ليكون بمثابة عنوان لها، ثم استعرض محتويات الوثيقة كل على حدة، ووضع الملخص والاستعراض في صفحة تقابل صورة الوثيقة.
والحقيقة أنّ الوثائق المتعلقة بالكويت تحتلّ مكانة لا يمكن تجاهلها وذلك لما شهدته منطقة الكويت من أحداث وخاصة في النصف الثاني من القرن 19 م، حيث أقرّت الدولة العثمانية حكّامها من أمراء آل الصباح، ولذا فإنّ هذه الوثائق تسلّط الأضواء على مرحلة مهمّة من تاريخ الكويت تمتدّ لمدة نصف قرن وشهدت أحداثا جِسامًا انعكست على هذه الوثائق. ويحظى هذا العمل بأهمية خاصة للباحثين في مجال تاريخ دولة الكويت، وهو منشور بارز في مجاله وإضافة رائعة للمكتبات.