نظم إرسيكا وأكاديمية تتارستان للعلوم ومعهد شهاب الدين مرجاني والجامعة الإسلامية الروسية (قزان)، في شهر يونيو/جوان 2012م، الندوة الخامسة حول موضوع “الحضارة الإسلامية في منطقة فولغا أورال”. وتناولت البحوثُ المقدَّمة موضوعاتٍ مخصوصة وشخصيات بارزة في تاريخ الفكر، واتجاهات التحديث في منطقة فولغا أورال، والاحتكاك والتفاعل والتبادل الحاصل بين المنطقة وبين أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي في المجالين الثقافي والتربوي، والتطورات العمرانية والمعمارية في المنطقة، والتفاعل والـتأثير بين الثقافات وغير ذلك.
ويشار في التقديم إلى أهمية منطقة فولغا أورال في التاريخ الإسلامي. وقد اعتنقت شعوب المنطقة الإسلام على مر الزمن بعد التعرف عليه من خلال الاتصالات مع التجار القادمين من خوارزم وخراسان. وبتشجيع من هذا التطور، أقام ألمش خان، حاكم دولة بولغار في منطقة فولغا، أوائل القرن العاشر، علاقات مع الخلافة العباسية عن طريق إرسال مبعوث إلى الخليفة المقتدر بالله، طالبا منه أن يرسل علماء الدين إلى بولغار لتعليم تعاليم الإسلام. وقد استجاب الخليفة وأرسل وفداً إلى دولة بولغار عام 922 فأسلم ألمش خان وأصبحت دولته أول بلد إسلامي في المنطقة. وأول تقرير عن هذه العلاقة هو وصف رحلة ابن فضلان الذي تولى رئاسة الوفد في هذه المهمة إلى دولة بولغار.
ومن ثمّ شُيِّدت حواضر في المنطقة بما تقتضيه من مؤسسات إسلامية كالجوامع والمدارس والمحاكم الشرعية. وتحولت مدينة بولغار بنفسها إلى مركز تجاري نابض يتوافد عليها التجار من الأراضي العربية والفارسية والقزوينية والإسكندنافية والروسية. ثم بعد تأسيس مدينة قزان، أصبحت خانية قزان الدولة الإسلامية الثانية في المنطقة وظل الإسلام فيها محافظا على حيويته طوال قرون باعتباره من أهم التقاليد الحضارية. وهذه التطورات وما أفضت إليه اليوم من تراث فقد تم إبرازه في سلسلة الندوات التي نظمها إرسيكا بالتعاون مع الحكومات والمؤسسات الأكاديمية للمنطقة. وقد نُظمت الندوتان الأُولَيَان في قزان بتتارستان في عام 2001م و 2005م؛ والندوتان الثالثة والرابعة في أوفا بباشقورستان عام 2008م و 2010م، ونُشرت وقائعها. ومن المؤمل أن يساهم هذا المجلد الجديد في تعزيز عمل الباحثين المعنيين.