تضمّنت حلقةُ النقاش بعنوان «حماية التراث: القضايا المستجدّة في التراث الثقافي»، التي نُظّمت في إطار «محاضرات إرسيكا في التراث» يوم 6 مارس / آذار 2024، محاضرتَيْنِ ألقاهما الخبيران الدكتورة أَمْرَه خَادْزِي مُخَمَدُوفِيتْشْ والدكتور زكي أصلان. وحضر حلقة النقاش باحثون يعملون في مجال الحفاظ على التراث في بلدان مختلفة، وساهموا في مناقشة الأسئلة والأجوبة.
ألقى الدكتور زكي أصلان محاضرةً بعنوان «أي مستقبل لماضينا؟ أماكن التراث الثقافي والأعمال الفنية في سياق إقليمي»، حيث سلّط الضوء على مفاهيم الحفاظ على التراث الثقافي وأساليبه وكيفية تطوّرها، بناءً على خبرته الممتدّة على مدار 21 عامًا كمديرٍ مؤسِّسٍ لمنظّمة إيكروم الشارقة والمشاريع التي قادها في بلدانٍ مختلفة. ولدى تقديمه لمحةً عن المظاهر الثقافية المختلفة في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، شرح أصلان الأساليب المتَّبعة في مشاريع إعادة الإعمار والحفظ المختلفة اعتمادًا على الظروف المحلية وكيف تطورت وجهات النظر مع مرور الوقت؛ وقدّم أمثلة على المشاريع المتعلقة بالمواقع التاريخية في مناطق النزاع في العراق والأردن ولبنان وسوريا واليمن؛ مع الإشارة إلى قضايا معيّنة تتعلق بكلّ حالة وكيف تمّ التعامل معها. واستعرض تطوّر وجهات النظر التي تحكم مشاريع الحفاظ على التراث والتي تتضمّن تحقيق التوازن بين الأجزاء الحديثة والتاريخية من المدن كما هو الحال في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، ورفع مستوى الثروات الأثرية للعرض العام من خلال تطوير المتاحف كما هو الحال في الدوحة بقطر. ومنذ مطلع القرن، كان أحد التغييرات الرئيسية هو إدراج التراث غير المادي في منظورات الحفظ التي تتعلق بالأشخاص الذين استخدموا تلك الأماكن وكيف استخدموها، إلى جانب الجوانب المادية للتراث. وتشمل التغييرات الأخرى الانتقال من «الترميم» إلى «التنمية الحضرية»، ومن «المشاركة الأحادية التخصّص» إلى «المشاركة المتعدّدة التخصّصات»؛ ومن «ترميم الآثار» إلى «الحفاظ على القيم الحضرية كجزء من المفهوم العالمي للمدينة». كما أشار الدكتور أصلان إلى تطوّر المعاملة الدولية لإعادة الإعمار والحفظ في القرن الحالي، حيث تنعكس هذه المفاهيم في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. والدكتور زكي أصلان مهندس معماري ومخطّط ومعلّم ومستشار في المجال الثقافي والتراثي. وعمل لمدة أحد وعشرين عامًا كمديرٍ مؤسّس لمركز إيكروم الإقليمي في الشارقة، بالإمارات العربية المتحدة، حيث قاد برامج للمنطقة العربية، من روما بإيطاليا (2003-2011)، وبعد ذلك من الشارقة في الإمارات العربية المتحدة (2012-2023). وقاد مشاريع وقدّم توجيهات فنية بشأن الحفاظ على التراث وإدارته، والتخطيط والسياسات الوطنية، والتراث العالمي، والمشاريع الميدانية (بما في ذلك التوعية العامة، وبناء القدرات وتطوير المناهج الدراسية)، مع اليونسكو، والاتحاد الأوروبي، وجي سي آي، والمجلس الثقافي البريطاني، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والمملكة العربية السعودية.
وتحدثت الدكتورة أَمْرَه خَادْزِي مُخَمَدُوفِيتْشْ عن “الأصالة والهوية في ممارسات التراث الإسلامي اليوم”. وناقشت مفهوم “أصالة” ممتلكات التراث الثقافي كمميّزات للهوية الثقافية وتطور هذا المفهوم منذ أن ذُكِرَ لأول مرة في ميثاق البندقية في عام 1964. وفي البداية، كان يُعبَّرُ عن مثل هذه المفاهيم من حيث الجوانب المادية فقط، وهو ما أُعيد النظر فيه في وقت لاحق في السياقات المتغيرة لمشاريع الحفظ في مختلف القارات. وقالت أنه فيما يتعلّق بالجسر القديم في موستار، على سبيل المثال، فلم يطالب السكان بترميمه فقط من أجل هيكله المادي، ولكن أيضًا من جهة كونه نصبًا تذكاريًّا للحرب، حيث كان الترميم يركّز على الجانب غير المادي أكثر ممّا كان على الجانب المادي. وضرب المتحدث أمثلة على آثار مختلفة، حيث يحتاج إعادة الإعمار في بعض الأحيان إلى التوازن بين ما هو مرغوب فيه وما يمكن تحقيقه من حيث الحفاظ على الأصالة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك قبة الصخرة، حيث تكمن مفارقة الهوية في أنه على الرغم من أن غالبية أقسامها تعود إلى القرن العشرين، إلا أنها لا تزال معلما من القرن السابع. وبالنظر إلى الكعبة المشرفة، على سبيل المثال، فإنها تبقى دائمًا كما هي الكعبة المشرفة بعد إصلاح أجزائها وترميمها. وأوضحت مستندة إلى ما قاله غرابار، أن “حامل الأصالة إنّما يكمن في الطابع المقدَّس للمَعْلَمِ، وأنّ هدمَ هيكلٍ وإعادةَ بنائِه لا يُؤثِّرُ على أصالته. لقد كانت أَمْرَه خَادْزِي مُخَمَدُوفِيتْشْ في طليعة الخبراء المختصّين بالتراث في عملية تنفيذ الملحق الثامن من اتّفاق دايتون للسلام في البوسنة والهرسك وفي إدارة مشاريع مختلفة لدمج التراث الثقافي في عملية إعادة البناء بعد الحرب في البوسنة وكوسوفو وفلسطين والعراق. وعملت مستشارةً لمنظمة اليونسكو، والمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم)؛ والبنك الدولي، والمجلس العالمي للمعالم والمواقع (إيكوموس)، ومنظّمة الأمن والتعاون في أوروبا، والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي… إلخ. ودرّست تاريخ العمارة والحفاظ المعماري في جامعة سراييفو الدولية (2010-2019)، وألقت محاضراتٍ في جامعاتٍ بالولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا والمنطقة العربية، ولها إصداراتٌ كثيرة في إعادة إعمار التراث.
وخلال مناقشة الأسئلة والأجوبة، تحدث بعض المشاركين عن أبحاثهم المستمرة في المجالات ذات الصلة. وفي ردّه على أحد الأسئلة، أكد الدكتور زكي أصلان على فكرة المتاحف المجتمعية، وهي طريقة جديدة للتأكيد بأن المواقع، مثل المتاحف، يمكن أن تكون أماكن للمصالحة، حيث يقاسم الناس ذكرياتهم، وتراثهم، وحيث يتضمّن الحفظ أيضًا روابط مع المجتمع العالمي.
