استضاف إرسيكا الباحثَيْنِ الفلسطينيين الدكتور حمدان طه والدكتور عمر يوسف في حلقة نقاش عبر الإنترنت بعنوان “العنف على العمارة في فلسطين: استراتيجيات الاحتلال في البيئة العمرانية والتراث الثقافي” في 30 كانون الثاني/يناير 2024. وركّزت الحلقة، التي نُظّمت ضمن سلسلة “محاضرات إرسيكا في التراث”، على تدمير المنشآت العمرانية والمعمارية في القدس وغزّة في إطار استراتيجيات الاحتلال الإسرائيلي واستيطانه والاعتداءات الإجرامية المتواصلة في فلسطين. وقدّمت حلقة النقاش، التي أُجريت باللغة الإنكليزية، وصفًا دقيقًا وشاملًا عن الوضع. وفي كلمته الافتتاحية، قال نائب المدير العام لإرسيكا، البروفيسور أبو بكر سنغور، أن التراث الثقافي للقدس وفلسطين هو من جملة الموضوعات التي تحظى بالأولوية القصوى في إرسيكا، وأن هذا الأخير يبذل قصارى جهده لوخز الضمير الأخلاقي للمجتمع الدولي من أجل التدخّل ووضع حدّ للمجازر والدمار. وتحدّث المعماري الدكتور عَلِي دُوسْتْ أَرْطُغْرُلْ، رئيس قسم التراث المعماري في إرسيكا، عن سياق حلقة النقاش وشكر المحاضرَيْنِ المتميّزين على قبولهم مشاركة معارفهم وتقييمهم حول المسألة على منصّة إرسيكا الإلكترونية.
وركّز المتحدّثُ الأوّل، الدكتور حمدان طه، على تدمير التراث الثقافي في غزّة. وشارك الدكتور طه في وصفه المطوّل للممتلكات الأثرية والمعمارية في غزّة، بما في ذلك المواقع والآثار والقطع الأثرية الموجودة منذ عصور ما قبل التاريخ، ومستعينًا في ذلك بتوثيقٍ بصريٍّ أصيلٍ، شاركَ بياناتٍ وصورًا وفيرة حول العنف ضد التراث الثقافي والمعماري خلال الاعتداءات المستمرة، حيث دُمّر مائةٌ وثلاثونَ موقعًا أثريًّا مهمًّا ومتاحفٌ متعدّدة ومنازلٌ تاريخية ومستشفياتٌ ومكتباتٌ ومقابرٌ وأكثر من مائةِ ألفِ قطعةٍ أثرية.
الدكتور طه باحث ومؤلّف في تاريخ فلسطين وآثارها، ومدير عام سابق ونائب وزير سابق في وزارة السياحة والآثار في فلسطين (2004-2014)، ونائب رئيس سابق للشؤون الأكاديمية وعميد الدراسات العليا في جامعة الاستقلال (2019-2020). وهو الآن منسّق لمشروع “تاريخ فلسطين وتراثها”، حيث أعدّ فيه، بالاشتراك مع إِنْكِرِيدْ هِيلْمْ، وَتُومَاسْ طُومْپْسُونْ، وَإِيلَانْ پَاپِي، مجلّدا بعنوان New Critical Approach to the History of Palestine [مقاربة نقدية جديدة لتاريخ فلسطين] (2019). وقام مؤخرًا بتأليف فصلٍ بعنوان Excavating Earth and Memory [التنقيب في الأرض والذاكرة]، في الكتاب Our Vision for Liberation: Engaged Palestinian Leaders and Intellectuals Speak Out [التحرير كما نراه: قادة ومثقّفون فلسطينيون مناضلون يتحدّثون علنًا] (2022) الذي أعدّه رَمْزِي بَارُودْ وَإِيلَانْ پَاپِي.
أما المتحدّث الثاني، الدكتور عمر يوسف، فقد استقصى موضوع “الاحتلال الإسرائيلي: عملية تمييز وتلاعب إقليمي”، مع تحليل مفصّل لاستراتيجية التخطيط العمراني، أو التحويل العمراني، كأداة احتلال استخدمتها إسرائيل في القدس ومناطق أخرى في فلسطين. وعرض الدكتور يوسف مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والخرائط والمخطّطات، وقدّم إحصائيات، تبيّن سياسات التوسع والاستيطان التمييزية المتعمَّدة التي تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني في مختلف المناطق من خلال جعل الأماكن “غير صالحة للسكن” للفلسطينيين، والعواقب الناجمة عن ذلك. وضرب الكثير من الأمثلة على أنشطة الحفريات والبناء، وشرح القوانين المطبَّقة في القدس، وكذلك في غزَّة وأماكن أخرى، للحدّ من حركة الفلسطينيين والسيطرة عليهم ومنعهم من البناء في مناطق مختلفة. وأوضح الباحث أن هذه القضايا تُعالَجُ في النقاشات الأكاديمية.
عمر يوسف مهندس معماري ومخطّط عمراني يركّز على التحدّيات التي تواجه البيئة العمرانية الفلسطينية، وخاصّة في القدس. وهو أستاذ مساعد في جامعة القدس ومنسّق أكاديميّ لبرنامج الماجستير في دراسات القدس. ويشمل عملهُ البحثَ الأكاديمي والتأليف ومشاريع عملية في التخطيط العمراني، ويعالج قضايا أساسيّة مثل الحفاظ على المياه، والتحدّيات البيئية، وتأثير الاحتلال على المدن الفلسطينيّة والفلسطينيين.
وخلال جلسة الأسئلة والأجوبة، أشار المتحدّثان إلى غياب ردّ الفعل من جانب المجتمع الدولي تجاه الاعتداءات العسكرية الوحشية وسياسات الاحتلال العنيفة التي يتعرّض لها الفلسطينيون. وأطلعوا المشاركين على الإصدارات المهمّة حول هذه الموضوعات، بما في ذلك إصداراتهم الخاصة، وكذلك على المشاريع البحثية الجارية.
