أكد الأستاذ الدكتور خالد أرن، المدير العام لمركز الأبحاث والتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا)، أن الثقافة تشكل أحد القطاعات التي تأثّرت بشدة نتيجة جائحة كوفيد 19، مبينا أنها في الوقت نفسه، اكتسبت أهمية وظيفية مضافة وذلك نظرا للموارد والتسهيلات والتقنيات الرقمية الهائلة المتاحة عبر الإنترنيت والتي من شأنها أن تعزز الأنشطة الافتراضية والاتصالات والتبادلات. جاء ذلك في كلمته خلال الجلسة الحوارية للمؤتمر الاستثنائي الافتراضي لوزراء الثقافة في الدول الأعضاء بمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، أحد أجهزة منظمة التعاون الإسلامي المتخصصة، الذي انعقد يوم الأربعاء برئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت عنوان ”استدامة العمل الثقافي في مواجهة الأزمات (كوفيد-19)“، بمشاركة 50 دولة و22 منظمة دولية، وذلك عبر تقنية مؤتمرات الفيديو.
وترأست الاجتماع السيدة نورة الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة بدولة الإمارات العربية المتحدة، مؤكدة على ضرورة تطوير العمل الثقافي في ظل الأزمة وبعدها. بدوره أشار الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، إلى تداعيات وباء كورونا المستجد على القطاع الثقافي، وقال إنه “منذ أن بدأت دول المنظمة، باتخاذ الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي الوباء، تأثّر حقل الثقافة تأثرا سلبيا كبيرا حيث أُغلقت المؤسسات الثقافية، والمتاحف، والمسارح، وأُلغيت العديد من الأنشطة الثقافية”. ودعا العثيمين إلى ضرورة بحث الوسائل التقنية البديلة والتي من شأنها أن تتيح للمجتمعات مواصلة ومتابعة الحراك الثقافي، وتفعيل استخدام الفضاء الإلكتروني لتعزيز التبادل الثقافي. أما المدير العام للإيسيسكو، الدكتور سالم بن محمد المالك، فقد أكد بدوره أن الثقافة الرقمية هي الوجه الجديد للعمل الثقافي المستقبلي وأن التحولات التي يشهدها العالم في شتى المجالات تحتم على الدول الأعضاء قيادة مسيرة الحراك الثقافي الجديد لبناء مستقبل زاهر ومجتمعات آمنة للأجيال القادمة. ودعا وزراء الثقافة ورؤساء وممثلو المنظمات الدولية والإقليمية المشاركون في المؤتمر إلى صون التراث الثقافي والحضاري للعالم الإسلامي وحمايته ودعمه وتأهيله للحفاظ على الهوية الثقافية للعالم الإسلامي، وعلى تكريس حقوق الانسان، ومن أبرزها الحقوق الثقافية.
وقال الأستاذ الدكتور خالد أرن أنّ إرسيكا، أول جهاز متفرع عن منظمة التعاون الإسلامي يسعى منذ تأسيسه وبكل ماهو مُخوّلٌ له لتعزيز التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء خاصة في حالات الطوارئ الإنسانية وذلك على النحو المنصوص عليه في ميثاق المنظمة، يتابع تداعيات الوباء على مجالات الحياة الأكاديمية والتعليمية والفنية والثقافية والاجتماعية وغيرها وذلك من خلال خلق سبل للبحث العلمي والتعاون ومنصات التبادل في هذه المجالات.
واستعرض المدير العام أنشطة المركز ومبادراته منذ اندلاع الأزمة وذلك حرصا منه على ضمان استمرارية العمل الثقافي. ففي 16 حزيران عقد المركز حلقة نقاش بعنوان ”التاريخ العمراني للعالم الإسلامي وآفاق مرحلة ما بعد الوباء“. وتندرج هذه الحلقة ضمن ما يقوم به المركز من أنشطة دائمة وفعاليات متنوعة ومشاريع مختلفة في مجال العمران والتاريخ المعماري وتراث العالم الإسلامي والحفاظ على التراث الثقافي. وفي 28 مايو انعقد ملتقى علمي افتراضي ”احتفاء ببخارى عاصمة للثقافة 2020“ تحت إشراف مركز الحضارة الإسلامية بأوزبكستان، أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية، ووزارة الثقافة الأوزبكية، بالتعاون مع إرسيكا، وإيسيسكو. وحضر المؤتمر حوالي 100 شخص من 20 دولة، وهم أكاديميون وجامعيون وخبراء من مراكز للبحوث، وتناولوا بشمولية ”دور ومساهمة بخارى في الحضارة الإسلامية“. أمّا في 20 مايو فقد عقد المركز حلقة نقاش بعنوان ”نقاط التحول في التاريخ وآثار الأوبئة“، والتي تندرج ضمن سلسلة الحلقات الدراسية الشبكية (المنظمة عبر تقنية مؤتمرات الفيديو) التي أطلقها إرسيكا. وخلال هذه الندوة الافتراضية، والتي شهدت مشاركات مثمرة من مختلف الدول الصديقة والشقيقة، تم تناول موضوع الوباء من منظوريْن مختلفيْن حيث تم التطرّق لما اختبرته الإنسانية في الأوبئة بتقديم لمحة عامة عن تجارب الإنسانية في هذا الصدد و تم تقديم تقييم تقديريّ لتداعيات الوباء على الإقتصاد.
وأشار الأستاذ الدكتور خالد أرن، إلى أن إرسيكا يواصل مشاريعه البحثية وحلقات النقاش والدورات التدريبية والمؤتمرات الأكاديمية وبرامج الجوائز الدولية في الفنون والحرف اليدوية في البلدان الإسلامية وإصدار المنشورات حول التاريخ الإسلامي والتراث الثقافي ، مبينا أنه وفي فترة الوباء يسعى المركز خلال تنفيذ الأنشطة المجدولة في برنامج عمله، إلى طرح مواضيع وجوانب محددة من مجالات عمله التي من شأنها تسليط الضوء على القضايا والتجارب ذات الصلة في سياق الوباء. هذا وذكّر المدير العام بالدراسات التي قام بها المركز على مدار الأربعين سنة الماضية والتي تطرقت على وجه الخصوص، إلى الموضوعات المتعلقة بتاريخ العلاقات الدولية والثقافات، والذاكرة المشتركة لتاريخ الحضارات المختلفة، ومساهمات الثقافات الإقليمية في الحضارة العالمية، والمعرفة والعلوم، بما في ذلك مجالات الطب والصحة العامة، والتي تم التعامل معها من خلال مشاريع المركز المتنوعة.
ولفت المدير العام إلى أن دراسات إرسيكا الأرشيفية حول القدس وفلسطين قائمة و متواصلة وأنه قد تم نشر 40 مجلدا حتى الآن، في هذا السياق. علاوة على ذلك، تمت الإشارة بشكل خاص إلى مكتبة إرسيكا الرقمية والتي تخدم القراء على مدار الساعة حيث أنها تحتوي على مواد مكتوبة بخط الید ومطبوعة ومرئیة ومسموعة مثل القرآن الكریم، والخط، والخرائط، والحولیات (الكتب السنویة)، والنشرات الدوریة، والصور التاریخیة. ومن بین المواد المتاحة في المكتبة الرقمیة، هناك مصادر أصلیة عن تاریخ العالم الإسلامي بما في ذلك سجلات القصر مثل التقویمات وتقاریر الحرب، الحولیات العثمانیة، مجموعات كاملة من الصحف والمجلات الكبرى. هذا وتزخر المكتبة الرقمیة بمجموعة أرشیفیة تشمل 70 ألف صورة وهي وثائق أصلیة تعكس الأحداث التاریخیة والأنشطة الاقتصادیة والاجتماعیة والأعمال المعماریة وغیرها من جوانب الحیاة في بلدان مختلفة خلال الفترة المتراوحة بین النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرین.
وفي كلمته الختامية، أشاد المدير العام لإرسيكا الأستاذ الدكتور خالد أرن بمبادرات الإيسيسكو الثقافية، وفي مقدمتها ”بيت الإيسيسكو الرقمي“، و”الثقافة عن بُعد“، وجوائز تحفيز الإبداع التي أعلنت عنها المنظمة، مؤكدا أن مركز الأبحاث للتّاريخ والفنون والثّقافة الإسلاميّة كان ولايزال مكان التقاء للعلماء والباحثين والأدباء والمؤسسات والمنظمات وجهات أخرى داخل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وفي العالم في مجال الدراسات والبحوث حول مختلف جوانب الحضارة الإسلامية وأن أبواب إرسيكا مفتوحة للجميع، حسب قوله.